[center]التوبة النصوح طريق إلى رحمة الله
إنّ التوبة إلى الله عز وجل هي وظيفة العمر لا يستغني عنها المسلم أبدا, فهو يحتاج إلى التوبة كل يوم, كيف لا وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرّة
وقد دعا الله عباده إلى التوبة فقال: " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"سورة النور الآية 31؛ وما من نبي من الأنبياء إلا دعا قومه إلى التوبة, كما قصّ الله علينا ذلك في كتابه الكريم في مواضع متفرقة من كتابه. و التوبة في اللغة تدلّ على الرجوع, قال ابن منظور: أصل تاب عاد إلى الله ورجع. ومعنى تاب الله عليه: أي عاد عليه بالمغفرة. و التوّاب بالنسبة إلى الله تعني كثرة قبوله التوبة عن عباده, أما بالنسبة للعبد: فهو العبد كثير التوبة. ومن شروط التوبة الصحيحة ذكر العلماء شروطا ينبغي أن تتوفر وهي
الإقلاع عن الذنب: فيترك التائب الذنب الذي أراد التوبة منه بإختياره, سواء كان هذا الذنب من الكبائر أم من الصغائر
الندم على الذنب: بمعنى أن يندم التائب على فعلته التي كان وقع فيها ويشعر بالحزن و الأسف كلما ذكرها
العزم على عدم العودة إلى الذنب: وهو شرط مرتبط بنية التائب, وهو بمثابة عهد يقطعه على نفسه بعدم الرجوع إلى الذنب
التحلل من حقوق الناس: وهذا إذا كان الذنب متعلقا بحقوق الناس, فلابد أن يعيد الحق لأصحابه, أو يطلب منهم المسامحة
هنالك سؤال يطرح نفسه وهو إلى متى يتقبل الله تعالى توبة عبده إذا تاب؟ ويأتي الجواب في كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفّار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما" سورة النساء الآيات 17 و 18؛ وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله يقبل توبة العبد لم يغرغر
ولا بد أن تكون التوبة أيضا قبل طلوع الشمس من مغربها, لقوله تعالى: " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا" سورة الأنعام الآية 158؛ و في التوبة النصوح يقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا" سورة التحريم الآية8؛ وقد ذكر العالماء في تفسيرها أنها التي لا عودة بعدها, كما لا يعود اللبن في الضرع. وقيل: هي الخالصة. وقيل: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر إذا ذكره. ولا شك أنّ التوبة النصوح تشمل هذه المعاني كلها, فصاحبها قد وثق العزم على عدم العودة إلى الذنب, ولم يبق على عمله أثرا من المعصية سرا أو جهرا, وهذه هي التوبة التي تورث صاحبها الفلاح عاجلا وآجلا. وليس شيء أحب إلى الله تعالى من الرحمة, من أجل ذلك فتح لعباده أبواب التوبة ودعاهم للدخول عليه لنيل رحمته ومغفرته, وأخبر أنه ليس فقط يقبل التوبة ممن تاب, بل يحبه و يفرح به: " إن الله يحب التوابين" سورة البقرة الآية222. وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا وبه مهلكة, ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه, فوضع رأسه فنام نومة, فإستيقظ وقد ذهبت راحلته, حتى اشتد عليه الحر و العطش, أو ما شاء الله. قال: أرجع مكاني, فرجع فنام نومه ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده
فلا تدع اليأس إلى قلبك طريقا بسبب ذنب وقعت فيه وإن عظم, فقد دعا الله إلى التوبة أقواما ارتكبوا الفواحش العظام و الموبقات الجسام, فهؤلاء قوم قتلوا عباده المؤمنين وحرقوهم بالنار, ذكر الله قصتهم في سورة البروج, ومع ذلك دعاهم إلى التوبة: " إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق" سورة البروج الآية10؛ وهؤلاء قوم نسبوا إلى الله جل وعلا الصاحبة والولد فبين كفرهم وضلالهم, ثم دعاهم إلى التوبة: " أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه و الله غفور رحيم" سورة المائدة الآية