لا نتحدّث هنا عن الحرِّيّة المنضبطة فهي طموحنا جميعاً ، وقد عمل الاسلام على تحرير الانسان من أي قيد يشلّ إرادته ويغلق عقله ، بأن جعله عبداً لله فقط ، ورفض أيّة عبودية أخرى ، ليعيش الانسان حرِّيّته في حدود ما رسمه الله له.
أمّا الحرِّيّة المنفلتة .. أو التي لا تراعي قيداً ولا شرطاً ولا نظاماً ، أو تلك التي أباحها القانون الغربي في الجنس والخمر في سنّ معيّنة ، فإنّنا لا نعتبرها حرِّيّة ، فكلّ ما يعرّض الانسان والمحيطين به إلى المخاطر والأذى فهو فساد ، وهو ليس بحرِّيّة ، بل هو قيد واستعباد وأسر.
فمدمن المخدّرات ـ مثلاً ـ الذي لا يتمـكّن من الإقلاع عنها ، مقيّد بقيد شديد ، وهو عبد للعقار الذي يتعاطاه ، لأنّه يسيّره كما يريد ، وهو يستجيب له كلّما ألحّ عليه ، مثلما كان يفعل (السيِّد) بـ (العبد) أيّام الرقيق.
ولذلك فعندما نقرن بين ( الحرِّيّة ) وبين ( الجريمة ) ، فلأنّ هذا هو الذي يحصل الآن ، ففي مقابل أيّة حرِّيّة مطلقة تجد ثمة جريمة أو عدّة جرائم .
فحرِّيّة الجنس مثلا ، تقابلها جرائم: اختلاط الأنساب، الاجهاض ، الاغتصاب ، الاعتـداء الجنسي على الأطفال ، الشذوذ الجنسي ، ناهيك عمّا ينجم من ممارسة هذه الحرِّيّة من أمراض أعيت الطبّ عن علاجها.
إنّ من حقّ كلّ شاب وفتاة أن يعيشا إنسانيتهما بلا تعسّف ولا قمع ولا اضطهاد ، لكن ليس من حقّهما أن يسيئا إلى هذا الحقّ ، فالحـرِّيّة التي يدعو إليها الاسلام وننادي بها ، ليست التي تنتهي عندما تبدأ حرِّيّة الآخرين فحسب ، بل الحرِّيّة التي لا تعدّي ولا ضرر فيها على صحّة وسلامة وأخلاق الفرد نفسه.
يقول بعض المعنيين بتربية الشباب : «إنّ الذين ينسجمون مع قرارات الخلق ، ومعايير المجتمع ، إنّما يمتازون بوجدان هادئ وضمير مطمئن ، وهؤلاء يتمكّنون من أن يقضوا عمرهم براحة مع سلامة المعنويات وراحة البال ، وبعكسهم المصابون بانحرافات ، والذين يميلون إلى الأساليب غير القانونية والأخلاقية والمكبوتون».
وهذا يعني أنّ الحرِّيّة المنفلتة أو المطلقة لا تحقق السـعادة ، كما هو تصوّر بعض الغربيين ، وبعض الشرقيين الذين يعيشون الكبت والحرمان ، بل الحرِّيّة الملتزمة هي التي تحقق ذلك.